الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{ما للظالمين من حميم} أي محب مشفق، ولا شفيع يطاع في موضع الصفة لشفيع، فاحتمل أن يكون في موضع خفض على اللفظ، وفي موضع رفع على الموضع واحتمل أن ينسحب النفي على الوصف فقط، فيكون من شفيع، ولكنه لا يطاع، أي لا تقبل شفاعته، واحتمل أن ينسحب النفي على الموصوف وصفته: أي لا شفيع فيطاع، وهذا هو المقصود في الآية أن الشفيع عند الله إنما يكون من أوليائه تعالى، ولا تكون الشفاعة إلا لمن ارتضاه الله وأيضًا فيكون في زيادة التفضل والثواب ولا يمكن شيء من هذا في حق الكافر.وعن الحسن: والله لا يكون لهم شفيع البتة، {يعلم خائنة الأعين} كقوله:
أي الناس الكرام، وجوزوا أن تكون خائنة مصدرًا، كالعافية والعاقبة، أي يعلم خيانة الأعين.ولما كانت الأفعال التي يقصد بها التكتم بدنية، فأخفاها خائنة الأعين من كسر جفن وغمز ونظر يفهم معنى ويريد صاحب معنى آخر وقلب، وهو ما تحتوي عليه الضمائر، قسم ما ينكتم به إلى هذين القسمين، وذكر أن علمه متعلق بهما التعلق التام.وقال الزمخشري: ولا يحسن أن يراد الخائنة من الأعين، لأن قوله: {وما تخفي الصدور} لا يساعد عليه.انتهى، يعني أنه لا يناسب أن يكون مقابل المعنى إلا المعنى، وتقدم أن الظاهر أن يكون التقدير الأعين الخائنة، والظاهر أن قوله: {يعلم خائنة الأعين} الآية متصل بما قبله، لما أمر بإنكاره يوم الآزفة، وما يعرض فيه من شدة الكرب والغم، وأن الظالم لا يجد من يحميه من ذلك، ولا من يشفع له.ذكر اطلاعه تعالى على جميع ما يصدر من العبد، وأنه مجازي بما عمل، ليكون على حذر من ذلك اليوم إذا علم أن الله مطلع على أعماله.وقال ابن عطية: {يعلم خائنة الأعين} متصل بقوله: {سريع الحساب} لأن سرعة حسابه للخلق إنما هي بعلمه الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكر، ولا لشيء مما يحتاجه المحاسبون.وقالت فرقة: يعلم متصل بقوله: {لا يخفي على الله منهم شيء} وهذا قول حسن، يقويه تناسب المعنيين، ويضعفه بعد الآية من الآية وكثرة الحائل. انتهى.وقال الزمخشري: فإن قلت: فإن قلت: بم اتصل قوله: {يعلم خائنة الاعين}؟ قلت: هو خبر من أخبار هو في قوله: {هو الذي يريكم البرق} مثل: {يلقي الروح} ولكن من يلقي الروح قد علل بقوله: {لينذر يوم التلاق} ثم أسقط وتذكر أحوال يوم التلاق إلى قوله: {ولا شفيع يطاع} فبعد لذلك عن إخوانه. انتهى.وفي بعض الكتب المنزلة، أنا مرصاد الهمم، أنا العالم بحال الفكر وكسر العيون.وقال مجاهد: خائنة الأعين: مسارقة النظر إلى ما لا يجوز؛ ومثل المفسرون خائنة الأعين بالنظر الثاني إلى حرمة غير الناظر، وما تحفي الصدور بالنظر الأول الذي لا يمكن رفعه.{والله يقضي بالحق} هذا يوجب عظيم الخوف، لأن الحاكم إذا كان عالمًا بجميع الأحوال لا يقضي إلا بالحق في ما دق وجل خافه الخلق غاية.{والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء} هذا قدح في أصنامهم وتهكم بهم، لأن ما لا يوصف بالقدرة، لا يقال فيه يقضي ولا يقضى.وقرأ الجمهور: {يدعون} بياء الغيبة لتناسب الضمائر الغائبة قبل.وقرأ أبو جعفر، وشيبة، ونافع: بخلاف عنه؛ وهشام: تدعون بتاء الخطاب، أي قل لهم يا محمد.{إن الله هو السميع البصير} تقرير لقوله: {يعلم خائننة الأعين وما تخفي الصدور} وعيد لهم بأنه يسمع ما يقولون ويبصر ما يعلمون وتعريض بأصنامهم أنها لا تسمع ولا تبصر.{أوَلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم} أحال قريشًا على الاعتبار بالسير، وجاز أن يكون فينظروا مجزومًا عطفًا على يسيروا وأن يكون منصوبًا على جواب النفي، كما قال: وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة، وحمل الزمخشري هم على أن يكون فصلًا ولا يتعين، إذ يجوز أن يكون هم توكيدًا لضمير كانوا.وقرأ الجمهور: منهم بضمير الغيبة؛ وابن عامر: منكم بضمير الخطاب على سبيل الالتفات.{وآثارًا في الأرض} معطوف على قوة، أي مبانيهم وحصونهم وعددهم كانت في غاية الشدة.{وتنحتون من الجبال بيوتًا} وقال الزمخشري: أو أرادوا أكثر آثارًا لقوله: انتهى.أي: ومعتقلًا رمحًا، ولا حاجة إلى ادعاء الحذف مع صحة المعنى بدونه.{من واق} أي وما كان لهم من عذاب الله من ساتر بمنعهم منعه.{ذلك} أي الأخذ، وتقدم تفسير نظير ذلك. اهـ.
|